أخرج مسلم في صحيحه ( كتاب التوبة – باب براءة حرم النبي – صلى الله عليه وسلم – من الريبة ) حديث رقم 2771 : حدَّثَني زُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا عَفَّانُ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، أَخْبَرَنَا ثَابِتٌ عَنْ أَنَسٍ :" أَنَّ رَجُلاً كَانَ يُتَّهمُ بِأُمِّ وَلَدِ رَسُولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لعَلِيٍّ: اذْهَبْ فَاضْرِب عُنُقَهُ. فَأَتَاهُ عَلِيٌّ فَإِذَا هُوَ فِي رَكِيٍّ يَتَبَرَّدُ فِيهَا. فَقَالَ لَهُ عَلِيٌّ: اخْرُجْ. فَنَاوَلَهُ يَدَهُ فَأَخْرَجَهُ، فَإِذَا هُوَ مَجْبُوبٌ لَيْسَ لَهُ ذَكَرٌ، فَكَفَّ عَلِيٌّ عَنْهُ. ثُمَّ أَتَىَ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ إِنَّهُ لَمَجْبُوبٌ، مَا لَهُ ذَكَرٌ "

        قال أعداء الله ورسوله :" كيف يشك النبي – صلى الله عليه وسلم – بسريته ، ثم كيف يأمر بقتل الرجل وهو مظلوم ، وكيف يأمر بقتله وقطع عنقه وحد الزنا إن كان محصنا الرجم أو غير محصن الجلد " .

الرد :

-        أولا : أنبياء الله ورسله بشر ، والأعراض البشرية الجبلية لا تنافي عصمتهم ، كالخوف الفطري كما أوجس إبراهيم عليه السلام في نفسه خيفة لما رأى ضيوفه لا تمتد إلى طعامهم ، وكذلك غضب موسى عليه السلام الغضب الشديد وأخذ برأس أخيه يجره إليه وألقى كلام الله والألواح وفي نسختها هدى على الأرض .

-        ثانياً : أنبياء الله لا يعلمون الغيب ،  فالغيب لا يعلمه إلا الله وحده ، وإنما يعلم الرسول صلى الله عليه وسلم وغيره من الرسل من الغيب ما أطلعهم الله عليه مما ورد في القرآن الكريم والسنة المطهرة .

-        { قل لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إلا  اللَّهُ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ ُبْعَثُونَ } وقوله سبحانه { قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلَا ضَرًّا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ } وقوله { وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو ويعلم ما في البر والبحر وما تسقط من ورقة إلا يعلمها ولا حبة في ظلمات الأرض ولا رطب ولا يابس إلا في كتاب مبين }.

-        ثالثاً : قد يخطي الأنبياء  ويجتهدون في حكم ما يعرض عليهم من وقائع ، ويحكمون وفق ما يبدو لهم ، فهم لا يعلمون الغيب ، وقد يخطئون في إصابة الحق ، فمن ذلك عدم إصابة نبي الله داود في الحكم ، وتوفيق الله لابنه سليمان في تلك المسألة .

-        ووضح النبي – صلى الله عليه وسلم هذه المسألة فجلاها فقال :" إنكم تختصمون إليّ – وفي رواية إنما أنا بشر – ولعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض ، فأحكم له على نحو ما أسمع " البخاري ( 2680) .

-        وهنا قاعدة هامة أن القاضي يحكم بمقتضى ما يسمع لا وفق ما علم ، وهو أصل في منع الحاكم أن يحكم بعلمه ، وحكم الحاكم بالظاهر وإن لم يكن مطابقاً للواقع ليس بخطأ لأنه حكم بما أمر الله به .

-        رابعاً : نزه الله حرمة النبي – صلى الله عليه وسلم – أن يثبت شي من ذلك في جهة احدى نسائه أو سراريه .

-        خامساً : كان رجلا قبطياً يتحدث مع مارية بحكم أنها من جنسه قبطية وقد نهاه النبي – صلى الله عليه وسلم – عن التحدث إليها .

-        سادساً : لما استمر هذا القبطي بالحديث معها وخالف أمر النبي – صلى الله عليه وسلم – استحق القتل إما لمخالفته أمر النبي – صلى الله عليه وسلم - ، أو بسبب تأذي النبي – صلى الله عليه وسلم – بسببه ومن آذى النبي – صلى الله عليه وسلم – فإنه يستحق القتل .

-        سابعاً : إيذاء النبي – صلى الله عليه وسلم – أو رد قضائه  فهذا كفر ونفاق قال تعالى {  إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَاباً مُّهِيناً {57} وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَاناً وَإِثْماً مُّبِيناً {58} } ، ومن آذى الرسول – صلى الله عليه وسلم – فقد آذى الله ، وحق الله ورسوله متلازمان قال تعالى { لَئِن لَّمْ يَنتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لَا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا إِلَّا قَلِيلاً {60} مَلْعُونِينَ أَيْنَمَا ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلاً {61} } .

-        ثامناً : إذن من آذى النبي – صلى الله عليه وسلم - ، فهو ملعون ، ومن لعنه الله في كتابه إما كافر أو مباح الدم ، بخلاف من لعن في السنة ، كما قرر ذلك شيخ الإسلام في كتابه " الصارم المسلول " ص 47 .فمن آذى النبي – صلى الله عليه وسلم – فهو ملعون بكتاب الله ومن لعن بكتاب الله فهو مباح الدم .

-        تاسعاً : يحتمل أن النبي – صلى الله عليه وسلم – علم من براءته وكونه مجبوبا أي ليس له ذكر ، فأمر علي بن أبي طالب – رضي الله عنه – بما أمره به لما ذكر له هو أو غيره خلوة ليتجلى أمره وترتفع تهمته أمام الجميع وتظهر براءة سرية النبي – صلى الله عليه وسلم – للكل .

-        عاشراً : ويحتمل أنه كان قد أوحي إليه أنه لا يقتله ، وينكشف له حاله ما يبين أمره ، وأنه في البئر متجردا عن الثياب عارياً ، إلا أنه أمر بقتله حقيقة ، وهو يعلم – صلى الله عليه وسلم – أنه لا يقتله لما تبين له من براءته .

-        أحد عشر : : نقول تنزلا مع أعداء الله وأنه على افتراض أن النبي – صلى الله عليه وسلم – لما غلب على ظنه أن هذا الرجل استحل حرمة النبي – صلى الله عليه وسلم – أو شهد عنده شاهدان أن هذا الرجل يباشر سريته أو شيئا نحو ذلك ، فأمر النبي – صلى الله عليه وسلم – بضرب عنقه لما استحل حرمة النبي – صلى الله عليه وسلم - .

-        ولم يأمر النبي – صلى الله عليه وسلم – بإقامة حد الزنا لأن إقامة الزنا ليس هو ضرب الرقبة ، بل إن كان محصناً رجم ، وإن كان غير محصن جلد ، ولا يقام عليه الحد إلا بأربعة شهداء أو بالإقرار المعتبر ، فلما أمر النبي – صلى الله عليه وسلم – بضرب عنقه من غير تفصيل بين أن يكون محصنا أو غير محصن عُلِم أن قتله لما انتهكه هذا الرجل من حرمته – صلى الله عليه وسلم – فأمر بقتله .

-        فلما تبين أنه كان مجبوباً علم أن المفسدة مأمونة منه ، أو أنه بعث علياً ليرى القصة ، فإن كان ما بلغه عنه حقاً قتله